قوله جل ذكره: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.قدَّس الله ونزَّهَهُ كُلُّ شيءٍ خَلَقه؛ فكلُّ ما خَلَقَه جَعَلَه على وحدانيته دليلاً، ولِمَنْ أراد أن يَعْرِفَ إليهتَه طريقاً وسبيلاً.أتقن كلَّ شيءٍ وذلك دليلُ عِلْمِه وحكمته، ورَتَّبَ كُلَّ شيءٍ، وذلك شاهِدٌ على مشيئته و(إرادته).{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فلا شبيه يساويه، ولا شريكِ له في المُلْكِ ينازِعُه ويُضاهيه.{الْحَكِيمُ} الحاكم الذي لا يُوجَدُ في حُكْمِه عَيْبٌ، ولا يتوجَّه عليه عَتْبٌ.قوله جل ذكره: {هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ}.هم أهل النضير، وكانوا قد عاهدوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ يكونوا عليه، ثم بعد أُحُد نقضوا العَهْدَ، وبايعوا أبا سفيان وأهل مكة، فأخبر اللَّهُ تعالى رسولَه بذلك، فبعثَ صلوات الله عليه إليهم محمد بن مسلمة، فأوهم أنه يشكو من الرسول في أخذ الصَّدَقَة. وكان رئيسهم كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة (غيلةً)، وغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عن حصونهم المنيعة وأخرجهم إلى الشام، وما كان المسلمون يََتَوَقَّعون الظَّفرَ عليهم لكثرتهم، ولِمَنَعَةِ حصونهم.وظلُّوا يهدمون دورَهم بأيديهم ينقبون ليخرجوا، ويقطعون اشجارهم ليسدوا النقب، فسُّمُّوا أولَ الحشر، لأنهم أول من أُخْرِجَ من جزيزة العرب وحُشِرَ إلى الشام.قال جل ذكره: {فَاعْتَبِرُواْ يَأُوْلِى الأَبْصَارِ}.كيف نَصَرَ المسلمين- مع قِلَّتهم- عليهم- مع كثرتهم. وكيف لم تمنعهم حصونُهم إذا كانت الدائرةُ عليهم. وإذا أراد اللَّهُ قَهْرَ عدوِّ استنوق أسَدُه.ومن مواضع العِبْرةِ في ذلك ما قاله: {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} بحيث داخلتكم الرِّيبةُ في ذلك لِفَرْطِ قُوَّتِهم- فصَانَهُم بذلك عن الإعجاب.ومن مواضع العبرة في ذلك أيضاً ما قاله: {وَظَنُّواْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} فلم يكن كما ظنُّوه- ومَنْ تَقَوَّ بمخلوقٍ أسْلَمَه ذلك إلى صَغَارِه ومذَلّتِه.ومن الدلائلة الناطقة ما أُلْقِي في قلوبهم من الخوفِ والرُّعب، ثم تخريبُهم بيوتهم بأيديهم علامةُ ضَعْف أحوالهم، وبأيدي المؤمنين لقوة أحالهم، فتمت لهم الغلبةُ عليهم والاستيلاء على ديارهم وإجلاؤهم.هذا كلُّ لا بُدَّ أن يحصل به الاعتبارُ- والاعتبارُ أحَدُ قوانين الشَّرْع.ومَنْ لم يَعْتَبِرْ بغيره اعتَبَرَ به غيرُه.ويقال: يُخَرّبون بيوتهم بأيديهم، وقولوبهم باتِّباع شهواتِ نفوسِهم، ودِينهم بما يمزجونه به من البِدَع.